[size=18][center]
- وفي حديث زاذان عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد سبق ذكر بعضه قال في المؤمن : " ويأتيه رجل حسن الوجه ، حسن الثياب ، طيب الريح فيقول : أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير فيقول : رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي ".
وقال في حق الكافر : " ويأتيه رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح فيقول : أبشر بالذي يسوءك ، فهذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر فيقول : أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة " ، خرجه الإمام أحمد وغيره .
76- وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن أبي بكر بن عياش عن المقبري عن عائشة رضي الله عنها قالت : إذا خرج سرير المؤمن نادى أنشدكم الله لما أسرعتم بي ، فإذا أدخل قبره لحقه عمله فتجيء الصلاة فتكون عن يمينه ، ويجيء الصوم فيكون عن يساره ، ويجيء عمله بالمعروف فيكون عند رجليه ، فتقول الصلاة ليس لكم قبلي مدخل ، كان يصلي فيأتون من قبل رأسه ، فيقول الصوم إنه كان يصوم ويعطش ، فلا يجدون موضعاً فيأتون رجليه فتخاصم عنه أعماله فلا يجدون مسلكاً .
77- وبإسناده ثابت البناني قال : إذا وضع الميت في قبره احتوشته أعماله الصالحة وجاء ملك العذاب فتقول له بعض أعماله إليك عنه ، فلو لم يكن إلا أنا لما وصلت إليه .
78- وعنه أيضاً قال إذا مات العبد الصالح فوضع في قبره أتي بفراش من الجنة ، وقيل له : نم هنيئاً لك قرة العين ، فرضي الله عنك ، قال ويفسح له في قبره مد بصره ويفتح له باب إلى الجنة ، فينظر إلى حسنها ويجد ريحها وتحتوشه أعماله الصالحة : الصيام ، والصلاة ، والبر ، فتقول له : أنصبناك واظمأناك وأسهرناك فنحن اليوم بحيث تحب ، نحن أنساؤك حتى تصير إلى منزلك من الجنة .
79- وبإسناده عن كعب قال : إذا وضع العبد الصالح في قبره احتوشته أعماله الصالحة الصلاة والصيام والحج والجهاد والصدقة ، قال : وتجيء ملائكة العذاب من قبل رجليه فتقول الصلاة : إليكم عنه فقد أطال القيام لله عليهما قال : فيأتون من قبل رأسه فيقول الصيام : لا سبيل لكم عليه فقد أطال ظمأه لله تعالى في الدنيا ، قال فيأتون من قبل جسده فيقول الجهاد والحج : إليكم عنه فقد أنصب نفسه ، وأتعب بدنه ، وحج وجاهد لله عز وجل لا سبيل لكم عليه ، قال : فيأتون من قبل يديه فتقول الصدقة : كفوا عن صاحبي فكم من صدقة خرجت من هاتين اليدين حتى وقعت في يد الله عز وجل ابتغاء وجهه فلا سبيل لكم عليه ، فيقال : هنيئاً طيباً حياً وميتاً ، قال : ويأتيه ملائكة الرحمة فتفرشه فراشاً من الجنة ودثاراً من الجنة و دثاراً من الجنة ويفسح له في قبره مد البصر ، ويؤتى بقنديل من الجنة فيستضيء بنوره إلى يوم يبعثه الله من قبره .
80- وبإسناده عن يزيد الرقاشي قال : بلغني أن الميت إذا وضع في قبره احتوشته أعماله فأنطقها الله تعالى فقالت أيها العبد المنفرد في حفرته انقطع عنك الأخلاء والأهلون فلا أنيس لك اليوم غيرنا قال : ثم يبكي ويقول : طوبى لمن كان أنيسه صالحا طوبى لمن كان أنيسه صالحا , والويل لمن كان أنيسه وبالا .
81- وبإسناده عن يزيد الرقاشي أيضا انه كان يقول في كلامه : أيها المنفرد في حفرته المخلى في قبره بوحدته المستأنس في بطن الأرض بأعماله ليت شعري بأي أعمالك استبشرت , وبأي إخوانك اغتبطت , ثم يبكي حتى يبلَّ عمامته ويقول : استبشر والله بأعماله الصالحة واغتبط بإخوانه المتعاونين على طاعة الله .
82- وبإسناده عن الوليد بن عمرو بن الصباح قال : بلغني أن أول شيء يجده الميت حوله عند رجليه فيقول : ما أنت ؟ فيقول : أنا عملك . وقد ورد في شفاعة القرآن لقارئه ودفعه عنه عذاب القبر خصوصاً سورة تبارك الذي بيده الملك .
83- وخرج النسائي في عمل اليوم والليلة بإسناده عن ابن مسعود قال : من قرأ تبارك الذي بيده الملك كل ليلة منعه الله بها من عذاب القبر وكنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نسميها : المانعة .
84- وخرجه خلف في فضائل القرآن ولفظه عن ابن مسعود أنه ذكر تبارك فقال : هي المانعة تمنع من عذاب القبر ، توفى رجل فأتى من قبل رجليه فتقول رجلاه لا سبيل لكم على ما قِبلي إنه كان يقرأ سورة الملك ، ويؤتى من قبل بطنه فيقول بطنه : لا سبيل لكم على ما قبلي إنه كان يقرأ سورة الملك .
85- وأخرج أبو عبيد في كتاب فضائل القرآن بإسناده عن ابن مسعود قال : إن الميت إذا مات أوقدت له نيران حوله ، فتأكل النار ما يليها إن لم يكن له عمل يحول بينه وبينها وإن رجلاً مات ولم يكن يقرأ من القرآن إلا سورة ثلاثين آية ، فتأتيه من قبل رأسه فقالت إنه كان يقرأ بي فتأتيه من قبل رجليه فقالت : إنه يقوم بي فتأتيه من قبل جوفه ، فقالت : إنه كان وعائي ، قال فأنجته ، قال زر : فنظرت أنا ومسروق في المصحف فلم نجد سورة ثلاثين آية إلا تبارك .
86- وروى عبد بن حميد في مسنده عن إبراهيم بن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال : إقرأ تبارك الذي بيده الملك ، احفظها وعلمها أهلك ،وولدك ، وصبيان بيتك ، وجيرانك فإنها : المنجية والمجادلة تجادل وتخاصم عند الله لقارئها ؛ وتطلب أن ينجيه من عذاب النار إذا كانت في جوفه ، وينجي الله بها صاحبها من عذاب القبر .
87- وروى سوار بن مصعب وهو ضعيف جداً عن أبي إسحاق عن البراء يرفعه : " من قرأ : ألم السجدة وتبارك الذي بيده الملك قبل النوم ، نجا من عذاب القبر ، ووقى فتأنى القبر ".
وسنذكر حديث عبادة في نزول القرآن مع الميت في قبره فيما بعد إن شاء الله تعالى .
88- وروى هشام بن عمار حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن جابر عن أبيه عن عطاء بن يسار قال : إذا وضع الميت في لحده فأول شيء يأتيه عمله فيضرب فخذه الشمال فيقول : أنا عملك فيقول : فأين أهلي وولدي وعشيرتي ما خولني الله تعالى فيقول : تركت أهلك، وولدك ، وعشيرتك وما خولك الله وراء ظهرك ، فلم يدخل قبرك معك غيري ، فيقول : يا ليتني آثرتك على أهلي ، وولدي وعشيرتي ، وما خولني الله تعالى إذا لم يدخل معي غيرك .
89- قال أحمد بن أبي الحواري حدثنا يحيى بن مليح عن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى { فلأنفسهم يمهدون } قال : في القبر ، قال أحمد : فحدثت به يحيى بن معين .
قال : طوبى لمن كان له عمل صالح يكون وطاءه في قبره ، ويشهد لهذا كله ما في .
90- الصحيحين عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يتبع الميت ثلاثة ، فيرجع اثنان ويبقى واحد ، يتبعه أهله وماله وعمله ، فيرجع أهله وماله و عمله ".
91- وخرجه البزار والطبراني بسياق مطول من حديث أنس أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مامن عبد إلا له ثلاثة أخلاء فأما خليل فيقول له : ما أنفقت فلك ، وما أمسكت فليس لك ، فذلك ماله . وأما خليل فيقول : أنا معك فإذا أتيت باب الملك رجعت وتركتك فذلك أهله وحشمه ، وأما خليل فيقول : أنا معك حيث دخلت وحيث خرجت فذلك عمله ، فيقول : إن كنت لأهون الثلاثة علي " ، وخرج البزار والحاكم من حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه ، وقد اختلف في رفعه، ووقفه ، وقد روى هذا من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بسياق مبسوط وأن عبد الله بن كرز قال في هذا المعنى شعراً وأنشده للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن إسناده ضعيف جداً ، وخرج البزار هذا المعنى أيضاً من حديث أبي هريرة وسمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم وخرجه الطبراني أيضاً من حديث سمرة أيضاً .
92- وروى إبراهيم بن بشار عن إبراهيم بن آدم أنه كان ينشد شعراً :
ما أحدكم أكرم من مفرد أعماله في قبره تؤنسه
منعم الجسم وفي روضة زينه الله فهي مجلسـه
وأما العارفون بالله ، المحبون له ، المنقطعون إليه في الدنيا ، والمستأنسون به دون خلقه فإن الله بكرمه وفضله لا يخذلهم في قبورهم ، بل يتولاهم ويؤنس وحشتهم فـ { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } ، وقد جاء في بعض ألفاظ حديث يوم المزيد : أنهم يقولون لربهم في ذلك اليوم أنت الذي أنست منا الوحشة في القبور .
93-وكتب محمد بن يوسف الأصبهاني العابد إلى أخيه : إني محذرك متحولك من دار مملكتك إلى دار إقامتك وجزاء أعمالك فتصير في قرار باطن الأرض بعد ظاهرها ، فيأتيك منكر ونكير فيقعدانك وينتهرانك ، فإن يكن الله معك فلا بأس عليك ، ولا وحشة ولا فاقة ، وإن يكن غير ذلك فأعذني الله وإياك من سوء مصرع وضيق مضجع ، وروى ابن أبي عاصم في المنام فسئل عن حاله فقال : يؤنسني الله عز وجل ، وأما من كان في الدنيا مشغولاً عن الله عز وجل وكان يخاف غيره فإنه يعذب في القبر بذلك .
94- قال أحمد بن أبي الحواري : حدثنا إبراهيم بن الفضل عن إبراهيم أبي المليح الرقي قال : إذا أدخل ابن آدم قبره لم يبق شيء كان يخافه في الدنيا دون الله عز وجل إلا تمثل له في اللحد لأنه في الدنيا يخافه دون الله تعالى .
95- وروى عبد الرحمن بن زيد بن أبي أسلم عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس الله على أهل لا إله إلا الله في قبورهم ولا يوم نشورهم وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤسهم يقولون : { الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن } ".
فصل
96- خرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : إلا من علم نافع ، أو صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له ".
97- ومن حديث أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍّ نزل به قبل أن يأتيه ، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا " .
98- وروى عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبى أمامة أن ابن أخي عابس الغفاري قال له : قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاتمنوا الموت فإنه يقطع العمل ، ولا يرد الرجل فيستعتب " .
99- وخرج الترمذي من حديث يحيى بن عبد الله عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من أحد يموت إلا ندم " قالوا وما ندامته يا رسول الله ؟ قال : " إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد وإن كان مسيئا ندم أن لايكون نزع " ، يحيى هذا ضعفوه .
99- وروى ابن أبي الدنيا عن أبي هشام الرفاعي حدثنا حفص بن غياث عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبر دفن حديثا فقال : لركعتان خفيفتان مما تحقرون أو تنفلون يراهما هذا في عمله أحب اليه من بقية دنياكم " غريب جدا .
100- وروى أبو نعيم في الحلية من طريق عمرو بن واقد عن يونس بن حلبس أنه كان يمر على المقابر بدمشق بتهجير يوم الجمعة فسمع قائلا يقول : هذا يونس ابن حلبس قد هجر يحجون ويستمرون كل شهر ، ويصلون كل يوم خمس مرات أنتم تعملون ولا تعلمون ونحن نعلم ولا نعمل ، قالت : فلتفت يونس فسلم ، فلم يردوا عليه ، قال سبحان الله أسمع كلامكم ، وأسلم عليكم ، فلا تردون ، قالوا سمعنا كلامك وكلها حسنه وقد حيل بيننا وبين الحسنات والسيئات .
101- وروى ابن ابي الدنيا باسناده عن سليمان التيمي عن ابي عثمان النهدي أن رجلا خرج في جنازة فانتهى إلى قبر قال : فصليت ركعتين ثم اتكأت عليه فربما سمعت أبا عثمان يقول : فوالله ان قلبي ليقظان إذ سمعت صوتا من القبر : إليك ولا تؤذني ، فإنكم قوم تعملون ولا تعلموا ، وإنا قوم نعلم ولا نعمل لأن يكون لي مثل ركعتيك أحب الي من كذا وكذا .
102- وبإسناده عن أبي قلابة قال : أقبلت من الشام إلى البصرة فنزلت الخندق فتطهرت , وصليت ركعتين بالليل , ثم وضعت رأسي على قبر فنمت ثم انتبهت , فإذا صاحب القبر يشتكيني يقول : لقد آذيتني منذ الليلة ، ثم قال : إنكم لا تعلمون ونحن نعلم ولا نقدر على العمل إن الركعتين اللتين ركعتهما خير من الدنيا وما فيها ، ثم قال جزى الله أهل الدنيا خيراً ، إقرأهم منا السلام فإنه يدخل علينا من دعائهم نور مثل الجبال .
103- وبإسناده عن زيد بن وهب قال : حدثني رجل قال : رأيت أخاً لي فيما يرى النائم فقلت : فلان عشت الحمد لله رب العالمين قال : قلتها لأن أقدر أقولها أحب إلي من الدنيا وما فيها ، ثم قال : ألم تر حيث يدفنون فلاناً ، فإن فلاناً قام فصلى ركعتين ، لأن أكون أقدر أن أصليها أحب إلي من الدنيا وما فيها .
104- وبإسناده عن مطرف بن عبد الله الجرشي قال : شهدت جنازة واعتزلت ناحية قريباً من قبر فصليت ركعتين كأني خففتهما لم أرض إتقانهما ، ونعست فرأيت صاحب القبر يكلمني فقال : ركعت ركعتين لم ترض إتقانهما ، قلت : قد كان ذلك قال تعملون ولا تعملون ونحن نعلم ولا نستطيع أن نعمل لأن أكون ركعت مثل ركعتيك أحب إلي من الدنيا بحذافيرها .
105- وبإسناده عن مفضل بن يونس قال : كان ربيع بن راشد يخرج إلى الجبان فيقيم سائر نهاره ثم يرجع مكتئباً فيقول : كنت في المقابر نظرت إلى قوم منعوا ما نحن فيه ثم يبكي .
106- وبإسناده عن الحسن قال : دخلت أنا وصفوان المقابر فقنع رأسه ثم لم يزل يذكر الله تعالى حتى خرجنا من المقابر فقلت له في ذلك فقال إني قد ذكرتهم ، وما حضر عليهم من ذلك ونحن المهلة في فأحببت أن أقدم لذلك شيئاً من عمل قال الحسن : أحب والله أن يكون لي في كل خير نصيب .
107- وبإسناده عن الفضل الرقاشي أنه كان يقول في كلامه إذا ذكر أهل القبور : يا لها من وجوه حيل بينها وبين السجود لله عز وجل لو يجدون إلى العمل مخلصاً بعد المعرفة بحسن الثواب لكانوا إلى ذلك سراعاً . ثم يبكي ويقول : يا إخوتاه فأنتم اليوم قد خلي بينكم وبين ما عليه ترجون إليه فكاك رقابكم ألا فبادروا الموت وانقطع أعمالكم فإن أحدكم لا يدري متى يحترمه ليلاً أو نهاراً .
108- وبإسناده عن صفوان بن سليم أنه كان في جنازة في نفر من العباد فلما صلي عليها قال صفوان : أما هذا قد انقطعت عنه أعماله واحتاج إلى دعاء من خلف بعده فأبكى القوم جميعاً وقال أبو وهب محمد بن مزاحم قال : قام رجل إلى ابن المبارك في جنازة فسأله عن شيء فقال له : يا هذا سبِّح فإن صاحب السرير منع من التسبيح .
109- كان عمرو بن عيينة يخرج بالليل إلى المقابر ويقول : يا أهل القبور طويت الصحف ورفعت الأعمال ثم يصلي حتى يصبح ثم يرجع إلى أهله ، ورؤي بعض الموتى في المنام فقال : ما عندكم أكثر من الغفلة وما عندنا أكثر من الحسرة .
110- وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن زيد بن نعامة قال : هلكت جارية في الطاعون فلقيها أبوها بعد موتها في المنام فقال لها : يا بنية أخبريني عن الآخرة فقالت يا أبت قدمنا على أمر عظيم نعلم ولا نعمل وتعملون ولا تعلمون والله لتسبيحة أو تسبيحتان أو ركعة أو ركعتان في عمل أحب إلي من الدنيا وما فيها . ومر بعض السلف بالمقابر فقال : أصيح هؤلاء زاهدين فيما نحن فيه راغبون . وكان داود الطائي مع جنازة فقال في كلامه : اعلم أن أهل الدنيا جميعاً من أهل القبور إنما يفرحون بما يقدمون ويندمون على ما يخلفون ، فما عليه أهل القبور ندموا عليه ، أهل الدنيا يقتتلون وفيه يتنافسون وعليه عند القضاة يتخاصمون .
فصل
بعض أهل البرزخ يكرمه الله بأعماله الصالحة عليه في البرزخ ، وإن لم يحصل له ثواب ، تلك الأعمال لانقطاع عمله بالموت ، لكن إنما يبقى عمله عليه ليتنعم بذكر الله وطاعته ، كما يتنعم بذلك الملائكة وأهل الجنة في الجنة وإن لم يكن لهم ثواب على ذلك لأن نفس الذكر والطاعة أعظم نعيماً عند أهلها من نعيم جميع أهل الدنيا ولذاتها ، فما تنعم المتنعمون بمثل ذكر الله وطاعته.
وخرج الترمذي من حديث ابن عباس قال : ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبره ولا يحسب أنه قبر إنسان - يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا إنسان يقرأ سورة الملك - تبارك - حتى ختمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي المانعة هي المنجية : تنجيه من عذاب القبر " .
113- خرج أبو عبد الله بن منده بإسناد ضعيف من حديث طلحة بن عبيد الله قال : أردت مالي بالغابة فأدركني الليل فآويت إلى قبر عبد الله بن عمرو بن عمرو بن حرام فسمعت قراءة من القبر ما سمعت أحسن منها ، فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال : " ذلك عبد الله ألم تعلم أن الله قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت وعلقها وسط الجنة فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم إلى مكانها التي كانت " .
114- روى أبو نعيم بإسناده عن محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني إبراهيم ابن الصمة المهلبي قال : حدثني الذين كانوا يمرون بالحص بالأسحار قالو ا : كنا إذا مررنا بجنبات ثابت البناني سمعنا قراءة القرآن .
115- وبإسناده عن يسار بن حبيش عن أبيه قال : أنا والذي لا إله إلا هو أدخلت ثابت البناني في لحده ومعي حميد ورجل غيره فلما سوينا عليه اللبن سقطت لبنة فإذا به يصلي في قبره فقلت للذي معي : ألاتراه ؟ قال : اسكت فلما سوينا عليه وفرغنا أتينا ابنته فقلنا لها : ما كان عمل ثابت ؟ قالت : وما رأيتم ؟ فأخبرناها فقالت : كان يقوم الليل خمسين سنة فإذا كان السحر قال في دعائه : اللهم إن كنت أعطيت أحداً الصلاة في قبره فأعطينيها ، فما كان الله ليرد ذلك الدعاء .
116- وقال أبو بكر الخلال : وأخبرني أحمد بن محمد بن بشر حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا حماد الحفار قال : دخلت المقابر يوم الجمعة فما انتهيت إلى قبر إلا سمعت فيه قراءة القرآن .
117- وروى أبو الحسن في كتاب الروضة عن عبد الله به محمد عن منصور حدثني إبراهيم الحفار قال : حفرت قبراً فبدت لبنة فشممت رائحة المسك حين انفتحت اللبنة فإذا شيخ جالس في قبره يقرأ القرآن .
118- وروى هبة الله الطبراني اللاكائي الحافظ في كتاب " شرح السنة " بإسناده عن يحيى بن معين قال : قال لي حفار مقابر : أعجب ما رأيت من هذه المقابر أني سمعت في قبر أنيناً كأنين المريض وسمعت من قبره المؤذن وهو يجيبه من القبر .
119- وروى الحافظ أبو بكر الخطيب بإسناده عن عيسى بن محمد الطوماري قال : رأيت أبا بكر بن مجاهد المقرئ في النوم كأنه يقرأ وكأني أقول : متّ وتقرأ فكأنه يقول لي : كنت أدعو الله في دبر كل صلاة وعند ختم القرآن أن يجعلني ممن يقرأ في قبره .
120- وحدثني المحدث أبو الحجاج يوسف السرمري حدثنا شيخنا أبو الحسن علي بن الحسين السامري خطيب سامرا وكان رجلا صالحا وأراني موضعا من قبور سامرا فقال : هذا الموضع لا يزال يسمع منه قراءة سورة تبارك .
121- وروى ابن أبي الدنيا في كتاب ذكر الموت بإسناده فيه نظر عن الحسن أنه سئل عن الرجل يموت ولم يتعلم القرآن يبلغ درجة أهل القرآن فبكى الحسن قال : هيهات هيهات وأنى له بذلك ، ثم قال : بلغني أن المؤمن إذا مات ولم يأخذ من القرآن أمر حفظته أن يعلموه القرآن في قبره حتى يبعث الله يوم القيامة مع أهله .
122- وبإسناده عن يزيد الرقاشي قال : بلغني أن المؤمن إذا مات وقد بقي عليه شيء من القرآن لم يتعلمه بعث إليه ملائكة يحفظونه ما بقي عليه منه .
123- قال : وحدثنا صالح بن عبدالله الترمذي حدثنا الظـبي بن الأشعث سمعت عطية بن زيد العوفي يقول : بلغني أن العبد إذا لقي الله ولم يتعلم كتابة علمه في قبرة حتى يثبته الله عليه .
124- وخرجه أبو القاسم الأزهري في كتاب فضائل القرآن من رواية عبد الكريم ابن الهيثم . حدثنا الحسن بن عبد الله بن حرب حدثنا الظبي بن الأشعث بن سالم ، حدثني عطية عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ القرآن ولم يستظهره أتاه ملك فزجره في قبره فلقي الله وقد استظهره " ، وهذا المرفوع لا يصح .
125- وخرج الخلال في كتاب السنة من طريق إبراهيم بن الحكم بن أبان وفيه ضعف عن أبيه عن عكرمة قال : قال ابن عباس المؤمن يعطي مصحف في قبره يقرأ فيه ، وخرجه ابن البراء في الروضة من طريق حفص بن عمرو العدوي وفيه ضعف أيضا عن الحكم بن أبان .
وروى الحافظ أبو العلى الهمداني في النوم بعد موته وهو في مدينة جدرانها وحيطانها كلها كتب فسئل عن ذلك فقال سألت الله أن يشغلني بالعلم كما كنت أشتغل به فأنا أشتغل بعلم في قبري أو كما قال ، وروؤي الحافظ عبد القادر الرهاوي في النوم بعد موته وهو يسمع الحديث فقال : أنا لا أزال أسمع الحديث إلى يوم القيامة أوكما قال .
الباب الخامس
في عرض منازل أهل القبور عليهم من الجنة أو النار بكرة وعشيا
قال الله تعالى : { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } .
126- قال قتادة في هذه الآية يقال لهم : يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخا وصغاراً ونقيصة . وقال ابن سيرين : كان أبو هريرة يأتينا بعد صلاة العصر فيقول : عرجت ملائكة ، وهبطت ملائكته ، وعرض آل فرعون على النار فلا يسمعه أحد إلا يتعوذ بالله من النار .
127- وقال شعبة عن معلي بن عطاء سمعت ميمون بن ميسرة يقول : كان أبو هريرة إذا أصبح ينادي : أصبحنا والحمد لله وعرض آل فرعون على النار فلا يسمعه أحد إلا يتعوذ بالله من النار ورواه هيثم عن معلي عن ميمون قال كان لأبي هريرة صيحتان كل يوم أول النهار يقول : ذهب الليل وجاء النهار وعرض آل فرعون على النار وإذا كان العشي يقول : ذهب النهار وجاء الليل وعرض آل فرعون على النار فلا يسمع أحد صوته إلا استجار بالله من النار .
128- ويروى من حديث الليث عن أبي قيس عن هذيل عن ابن مسعود قال : أرواح آل فرعون في أجواف طير سود فيعرضون على النار كل يوم مرتين فيقال لهم هذه منازلكم فذلك قوله تعالى { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا } ورواه غيره عن أبي قيس عن هذيل من قوله .
129- لكن خرج الإسماعيلي اللالكائي من طريق ابن عيينة عن مسروق عن أبي قيس عن هذيل عن ابن مسعود أيضا ، قال ابن أبي الدنيا حدثنا حماد بن محمد الفزاوي قال بلغني عن الأوزاعي أنه سأله رجل بعسقلان عن الساحل فقال : يا أبا عمر وأنا نرى طيرا سوداً تخرج من البحر فإذا كان العشي عاد مثلها بيضا . قال وفطنتم لذلك قالوا : نعم . قال فتلك طير في حواصلها آل فرعون ، فتلفحها النار فيسود ريشها ثم يلقى ذلك الريش ثم تعود إلى أوكارها فتلفحها النار ، فذلك دأبها حتى تقوم الساعة فيقال: { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } .
130- وفي الصحيحين من حديث أبي عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، حتى يبعثه الله يقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة ".
131- ورواه الفضيل بن غزوان عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه " ما من عبد يموت إلا عرض عليه مقعده إن كان من أهل الجنة وإن كان من أهل النار ".
الباب السادس
في ذكر عذاب القبر ونعيمه
قال الله تعالى { فلولا إذا بلغت الحلقوم . وأنتم حينئذ تنظرون . ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون . فلولا إن كنتم غير مدينين . ترجعونها إن كنتم صادقين . فأما إن كان من المقربين . فروْح وريحان وجنة نعيم . وأما إن كان من أصحاب اليمين . فسلام لك من أصحاب اليمين . وأما إن كان من المكذبين الضالين . فنزل من حميم . وتصلية جحيم . إن هذا لهو حق اليقين } .
132- قال آدم بن أبي إياس حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآيات { فلولا إذا بلغت الحلقوم . وأنتم حينئذ تنظرون } إلى قوله { فروح وريحان وجنة نعيم } إلى قوله { فنزل من حميم . وتصلية جحيم } قال : " إذا كان عند الموت قيل له هذا ، فإن كان من أصحاب اليمين أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه وإن كان من أصحاب الشمال كره لقاء الله فكره الله لقاءه " .
133- وخرج الإمام أحمد من طريق همام عن عطاء بن السائب سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو يتبع جنازة يقول حدثني فلان بن فلان سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " فأكب القوم يبكون قال : " ما يبكيكم ؟ قالوا إنا نكره الموت قال : ليس ذلك ولكنه إذا حضر { فأما إن كان من المقربين . فروح وريحان وجنة نعيم } فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله والله للقائه أحب { وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم . وتصلية جحيم } ، وفي قراءة ابن مسعود { ثم تصلية جحيم } فإذا بشر كره لقاء الله والله للقائه أكره .
134- خرج ابن البراء في كتاب الروضة من حديث عمرو بن شمر وهو ضعيف جداً عن جابر الجعفي عن تميم بن حذلم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من ميت يموت إلا وهو يعجف غاسله ويناشد حامله إن بشر بروح وريحان وجنة نعيم أن يعجله وإن يشر بنزل من حميم وتصلية جحيم أن يحبسه .
135- وفي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أحب لقاء الله أحب الله لقائه ومن كره لقاء الله كره الله لقائه " فقالت عائشة أو بعض أزواجه : إنا نكره الموت قال : " ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بُشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله فأحب الله لقائه ، وإن الكافر إذا حُضر بُشر بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه فكره لقاء الله فكره الله لقائه " وقد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة .
136- وعن زاذان عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن نفس المؤمن يقال لها أخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى مغفرة من الله ورضوان فتسيل كما تسيل القطرة من السقاء وإن نفس الكافر يقال لها أخرجي إلى غضب من الله وسخطه فتتفرق في جسده وتأبى أن تخرج فيجذبونها فينقطع معها العروق والعصب ، وفي رواية عيسى بن المسيب عن عدي بن ثابت عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فتفرق روحه في جسده كراهة أن تخرج لما ترى وتعاين فيستخرجها كما يستخرج السفود من الصوف المبلول " .
وقد دل القرآن على عذاب القبر في مواضع كقوله تعالى { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن ءاياته تستكبرون } .
138- وخرج الترمذي بإسناده عن علي قال : ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت { ألهاكم التكاثر . حتى زرتم المقابر } .
139- وخرج ابن حبان في صحيحه من حديث حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه وتعالى { فإن له معيشة ضنكاً } قال " عذاب القبر " وقد روي موقوفاً وروي عن أبي هريرة مرفوعاً، وروي من وجه آخر من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً وموقوفاً وسيأتي إن شاء الله .
140- وقال آدم بن أبي إياس حدثنا المسعودي عن عبد الله بن المخارق عن أبيه عن ابن مسعود قال : إذا مات الكافر أجلس في قبره فيقال له من ربك وما دنيك فيقول لا أدري فيضيق عليه قبره ثم قرأ ابن مسعود { فإن له معيشة ضنكاً } قال : المعيشة الضنك عذاب القبر .
141- وروى شريك عن ابن إسحاق عن البراء في قوله { وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك } قال عذاب القبر ، وكذا روى عن ابن عباس في قوله سبحانه وتعالى { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر } إنه عذاب القبر وكذا قال قتادة والربيع بن أنس في قوله عز وجل { سنعذبهم مرتين } أحدهما في الدنيا والأخرى هي عذاب القبر .
وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في عذاب القبر والتعوذ منه ، وفي الصحيحين عن مسرق عن عائشة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر قال " نعم عذاب القبر حق " قالت عائشة : فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر .
142- وفيهما عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إني رأيتكم تفتنون في القبور كفتنة الدجال " قالت عائشة فكنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يتعوذ من عذاب القبر .
143- وفي صحيح مسلم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن " اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات " .
144- وفيه أيضاً عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع : من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال " .
145- وفي صحيح مسلم عن زيد بن ثابت قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط بني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به ، فكادت تلقيه ، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة فقال " من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ " فقال رجل أنا : قال متى مات هؤلاء ؟ قال : ماتوا في الإشراك فقال : " إن هذه الأمه تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه " ثم أقبل علينا بوجهه فقال : " تعوذوا بالله من عذاب النار" قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار قال : " تعوذوا بالله من عذاب القبر " قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر قال : " تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن " قالوا : نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن . قال : " تعوذوا بالله من فتنة الدجال " قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال .
146- وفي صحيح مسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله ان يسمعكم من عذاب القبر " .
147- وفي الصحيحين من حديث أبي أيوب الانصاري قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجبت الشمس فسمع صوتاً فقال : " يهود تعذب في قبورها " .
148- وخرج الغمام أحمد وأبو داود من حديث البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأنا على رؤوسنا الطير ومعه عود ينكت به الأرض ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فقال : " استعيذوا بالله من عذاب القبر" مرتين أو ثلاثاً وذكر الحديث بطوله .
149- وخرج الغمام أحمد من حديث أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم نخلاً لبني النجار فسمع أصوات رجال من بني النجار ماتوا في الجاهلية يعذبون في قبورهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعاً ، فأمر أصحابه أن يتعوذوا بالله من عذاب القبر .
150- وخرجه أيضاً من حديث أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر قالت : دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في حائط من حوائط بني النجار فيه قبور منهم قد ماتوا في الجاهلية فسمعهم يعذبون فخرج وهو يقول : " استعيذوا بالله من عذاب القبر " قلت : يا رسول الله إنهم ليعذبون في قبورهم قال " نعم عذاباً يسمعه البهائم " .
151- وفي الصحيحين عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال : " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرىء من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " ثم أخذ جريدة رطبة فشقها باثنتين ثم غرز على كل قبر منهما واحدة ، قالوا لم فعلت هذا يا رسول الله قال : " لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا " .
152- وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة خرجه ابن ماجه من حديث أبي بكرة وفي حديثه " وأما الآخر فيعذب في الغيبة " .
153- وخرجه الخلال وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض رواياته " وأما الآخر فكان يهمز الناس بلسانه ويمشي بينهم بالنميمة " وخرجه الطبراني من حديث عائشة وأنس بن مالك وابن عمر .
154- وخرجه أبو يعلى الموصلي وغيره من حديث جابر وفي حديثه " أما أحدهما فكان يغتاب الناس " .
155- وخرجه الأثرم من حديث أبي أمامة وفي حديثه قالوا : يا نبي الله وحتى متى يعذبان قال : " غيب لايعلمه إلا الله ولولا تمريج قلوبكم وتزييدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع " .
وروي من وجوه أخر .
156- وخرج النسائي من حديث عائشة قالت : دخلت امراة من اليهود فقالت : إن عذاب القبر من البول قلت : كذبت ، قالت : إنه ليقرظ من الجلد والثوب قالت : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاته وقد ارتفعت أصواتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما هذا ؟ فأخبرته بما قالت فقال : " صدقت " .
157- وخرج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن حسنة سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ألم تعلموا ما لقي صاحب بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم البول قطعوا ما أصابه البول فنهاهم فعذب في قبره " .
158- وخرج الغمام أحمد وابن ماجه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أكثر عذاب القبر من البول " وروي موقوفاً عن أبي هريرة .
159- وخرج البزار والحاكم من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا منه " .
150- وخرج البزار والدار قطني من حديث أنس عن النبي قال : " اتقوا التبول فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر " .
161- وخرج ابن عدي من حديث أنس أن النبي مر برجل يعذب في قبره من النميمة ورجل يعذب في قبره من الغيبة ورجل يعذب في قبره من البول " .
162- وخرج أيضاً بإسناده فيه ضعف عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فتنة القبر من ثلاث : من الغيبة ، والنميمة ، والبول " .
163- ولكن روى عبد الوهاب الخفاف عن سعيد عن قتادة قال : كان يقال : عذاب القبر من ثلاثة أثلاث ثلث من الغيبة ، وثلث من النميمة ، وثلث من البول ، خرجه الخلال وهذا أصح .
164- وخرج الأثرم والخلال من حديث ميمونة مولاة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها " يا ميمونة إن من أشد عذاب القبر من الغيبة والبول " ، وقد ذكر بعضهم السر في تخصيص البول والنميمة بعذاب القبر وهو أن القبر أول منازل الآخرة وفيه أنموذج ما يقع في يوم القيامة من العقاب والثواب ، و المعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان : حق لله وحق لعباده وأول ما يقضي فيه يوم القيامة من حقوق الله الصلاة ، ومن حقوق العباد الدماء .
وأما البرزخ فقضى فيه في مقدمات في هذين الحقين ووسائلهما . فمقدمة الصلاة : الطهارة من الحدث والخبث ، ومقدمة الدماء النميمة والوقيعة في الأعراض وهما أيسر أنواع الاذى فيبدأ في البرزخ بالمحاسبة والعقاب عليهما .
165- وروى عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحق عن أبي ميسرة عن شرحبيل قال : مات رجل فلما أخل في قبره أتته الملائكة فقالوا : إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله قال فذكر صلاته وصيامه واجتهاده قال : فخففوا عنه حتى انتهى إلى عشرة ثم سألهم فخففوا عنه عتى انتهى إلى واحدة فجلدوه جلدة اضطرم قبره ناراً ، وغشى عليه فلما أفاق قال : فيم جلدتموني هذه الجلدة ؟ قالوا : إنك بلت يوماً ، وصليت ولم تتوضأ ، وسمعت رجلاً يستغيث مظلوماً فلم تغثه .
166- ورواه أبو سنان عن أبي إسحق عن أبي ميسرة بنحوه ، ورويناه من طريق حفص بن سليمان القارء وهو ضعيف جداً عن عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم . فعذاب القبر حصل هاهنا بشيئين : أحدهما ترك طهارة الغدث ، والثاني ترك نصرة المظلوم مع القدرة عليه ، كما أنه في الأحاديث المتقدمة حصل بترك طهارة الخبث والظلم بالقول وهي متقاربة في المعنى.
167- وفي حديث عبد الرحمن بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إني رأيت الليلة عجباً " فذكر الحديث بطوله وفيه " رأيت رجلاً من أمتي بسط عليه عذاب القبر فجاءه وضوءه فاستنقذه منه " أخرجه الطبراني وغيره ، ففي هذا الحديث أن الطهارة من الحدث تنجي من عذاب القبر ، وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينجي من عذاب القبر كما تقدم ذكره في الباب الثاني لأن فيه غاية النفع للناس في دينهم ، وكذلك الجهاد والرباط فإن المجاهد والمرابط في سبيل الله كل منهما بذل نفسه وسمح بنفسه لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر وليذب عن إخوانه المؤمنين عدوهم .
168- وفي الترمذي عن المقدام بن معدي كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " للشهيد عند الله ست خصال ، يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الاكبر " وذكر بقية الحديث.
169- وخرج الحاكم وغيره من حديث أبي أيوب عن النبي _صلى الله عليه وسلم قال : " من لقي في سبيل الله فصبر حتى يقتل أو يغلب لم يفتن في قبره أبداً " .
169 - وفي صحيح مسلم عن سلمان عن النبي _صلى الله عليه وسلم _ قال : " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات أجرى عليه عمله الذي كان يعمله وأرى عليه رزقه وأمن الفتَّان " . وخرجه غيره وقال فيه "وقى عذاب القبر"وخرج الترمذي وأبوداود من حديث فضالة بن عبيد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – معناه أيضاً. وروي من وجوه أخرى .
170- وخرج النسائي من حديث راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي _صلى الله عليه وسلم _ أن رجلاً قال : يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد قال : كفي ببارقة السيوف على رأسه فتنة " .
171- وروى مجالد عن محمد بن المنتشر عن ربعي عن حذيفة قال : إن في القبر حساباً، وفي القيامة حساباً, فمن حوسب يوم القيامة عذب .
172- وروى ابن عجلان عن عوف بن عبد الله قال : يقال : إن العبد إذا أدخل قبره سئل عن صلاته أول شيء يسأل عنه فإن جازت له صلاته نظر فيم سوى ذلك من عمله، وإن لم تجز له لم ينظر في شيء من عمله بعد .
فصل
وقد ورد في عذاب القبر أنواع ، منها الضرب إما بمطراق من حديد أو غيره ، وقد سبق ذلك أحاديث متعددة
173- وروينا من طريق عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن زيد عن القاسم عن أبي أمامة الباهلي قال : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بقيع الغرقد فوقف على قبرين فقال : " أدفنتم ها هنا فلاناً وفلانة أو قال فلاناً وفلاناً " قالوا : نعم . فقال " قد أقعد فلان الآن يضرب " ثم قال : " والذي نفسي بيده لقد ضرب ضربة ما بقي منه عرق إلا انقطع ولقد تطاير قيره ناراً ولقد صرخ صرخة يسمعها الخلائق إلا الثقلين الجن والإنس ولولا تمريج في صدوركم و تزييدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع " قالوا : يا رسول الله ما ذنبهما قال : " أما فلان فكان لا يستبرىء من البول وأما فلان أو فلانة فكان يأكل لحوم الناس " و في هذا الإسناد ضعف .
174- وروى ابن جرير في تفسيره من طريق أسباط عن السدي قال البراء بن عازب : إن الكافر إذا وضع في قبره أتته دابة كأن عينيها قدران من نحاس معها عمود من حديد فتضربه ضربة بين كتفيه فيصيح فلا يسمع صوته أحد إلا لعنه ولا يبقى شيء إلا سمع صوته إلا الثقلين الجن والإنس .
175- ومن طريق جويبر عن الضحاك قال : الكافر إذا وضع في قبره ضربه بمطراق فيصيح صيحة فيسمع صوته كل شيء إلا الثقلين الجن والإنس فلا يسمع صيحته شيء إلا لعنه .
176- وروى اللالكائي بإسناده عن محمد بن المنكدر قال : بلغني " أن الله عز وجل يسلط على الكافر في قبره دابة عمياء بيدها سوط من حديد رأسها مثل غرب الجمل تضربه إلى يوم القيامة لا تراه ولا تسمع صوته فترحمه " . ومنها تسليط الحيات والعقارب ، وقد سبق ذلك من حديث أبي هريرة .
177- وروى ابن وهب حدثني عمرو بن الحارث أن أبا السمح حدثه عن ابن حجيرة عن أبي هريرة عن النبي _صلى الله عليه وسلم _ أنه قال : " أتدرون فيما أنزلت هذه الآية{ فإن له معيشة ضنكاً } تدرون ما المعيشة الضنك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : عذاب الكافر في قبره، والذي نفسي بيده إنه ليسلط عليه تسعة وتسعون تنيناً أتدرون ما التنين ؟ قال تسعة وتسعون حية لكل حية سبعة رؤوس " وفي رواية " تسعة رؤوس ينفخون في جسمه ويلسعونه ويخدشونه إلى يوم يبعثون " خرجه بقي بن مخلد في مسنده، وخرجه البراز من وجه آخر عن ابن حجيرة عن أبي هريرة مرفوعاً أيضفا مختصراً، وخرج ابن منده من طريق أبي حازم عن أبي هريرة وذكر قبض روح المؤمن والكافر، وقال في الكافر " وتسلط عليه الهوام وهي الحيات فينام كالمنهوس ويفزع . وخرجه مرفوعاً أيضاً . وقد روي عن دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ قال : " يسلط على الكافر في قبره تسع وتسعون تنيناً يلدغونه حتى تقوم الساعة ولو أن تنيناً منها نفخ على الأرض ما أنبتت خضراء " خرج الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه من طريق سعيد بن [ أبي ] أيوب عن سعيد أبي خلاد بن سليم ورواه ابن لهيعه عن دراج مرفوعاً أيضاً إلا أنه قال : " ضمه القبر " .
178- وخرجه الخلال من طريق سعيد أبي خلاد بن سليم عن دراج أبي السمح عمن حدثه عن أبي سعيد : أنهم سألوهم عن المعيشة الضنك قالوا : هي معيشة الكافر في قبره ويضيق عليه قبره حتى تداخل الأضلاع بعضها في بعض يتمنى أن لو خرج منها إلى النار . وهذا موقوف ، قد سبق في الباب الثاني من وجه آخر مرفوعاً ، وقد روي بعضه من وجه مرفوعاً وموقوفاً أيضاً .
179- وروى منصور بن صقير عن حماد بن سلمة عن أبي حازم عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في هذه الآية :{ معيشة ضنكا} قال " المعيشة الضنك عذاب القبر يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ولا يزال يعذب حتى يبعث " خرجه الخلال ، ومنصور بن صقير فيه ضعف وخالفه آدم بن أبي إياس فرواه عن أبي حازم عن حماد بن سلمة ووقفه وكذا رواه الثوري وسليمان بن بلال الداروردي وغيره عن أبي حازم عن النعمان عن أبي سعيد موقوفاً أيضاً ، فمنهم من قال أخطأ فيه ابن عيينة ، كذا قاله أبو زرعة والعلائي ، وقيل بل أبو سلمة هذا هو النعمان بن أبي عياش قاله أبو حاتم الرازي و أبو أحمد الحاكم وأبو بكر الخطيب .
180- وخرج الإمام أحمد من حديث علي بن زيد بن جدعان عن أم محمد عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال " يرسل على الكافرين حيتان واحدة من قبل رأسه والأخرى من قبل رجليه يقرصانه قرصاً كلما فرغتا عادتا إلى يوم القيامة " .
181- وخرج بن أبي الدنيا بإسناد ضعيف عن الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يرى أحد خارجاً من الدنيا شاتماً لأحد منهم - يعني من أول هذه الأمة - إلا سلط الله عليه دابة في قبره تقرص لحمه يجد ألمه إلى يوم القيامة " .
182- وخرج الخلال من طريق عاصم عن زرعن ابن مسعود قال : يقال للكافر في قبره : ما أنت ؟ فيقول : لا أدري فيقال : لا دريت ثلاثاً ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويرسل عليه حيات من جوانب قبره تنهشه وتأكله فإذا خرج فصاح قمع بمقمع من نار أو حديد ، وخرجه أبو بكر الأجري وزاد فيه " ويضرب ضربة يلتهب قبره ناراً " وعنده " ويبعث عليه حيات من حيات القبر كأعناق الإبل " .
183- وخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الموت بإسناده عن عبيد بن عمير قال : يسلط عليه شجاع أقرع فيأكله حتى يأكل أم هامته فهذا أول ما يصيبه من عذاب الله . وبإسناده عن مسروق قال : ما من ميت يموت وهو يزني أو يسرق أويشرب أويأتي شيئاً من هذه إلا جعل معه شجاعان ينهشانه في قبره ، ومنها رض رأس الميت بحجر وشق شدقه ونحو ذلك.
184- قد ورد ذلك من حديث سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " رأيت الليلة رجلين آتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده كلوب من حديد يدخله في شدقه حتى يبلغ قفاه ثم يفعل بشدقه الآخر قبل ذلك ويلتأم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله ، قلت ما هذا ؟ قالا : انطلق فانطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه ورجل قائم على رأسه بفهر أو صخرة فيشدخ بها رأسه ، فإذا ضرب تدهده الحجر فانطلق إليه ليأخذه فلا يرجع على هذا حتى يلتأم رأسه وعاد رأسه كما هو فعاد إليه فضربه ، قلت من هذا ؟ قالا : انطلق فانطلقنا إلى نقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته ناراً فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا يخرجون فإذا خمدت رجعوا فيها وفيها رجال ونساء فقلت من هذا ؟ قالا : انطلق فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى شاطئ النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه حجراً رجع كما كان ! قلت : ما هذا ؟ قالا لي : انطلق فانطلقنا " فذكر الحديث. وفيه " قلت طوفتماني الليلة فأخبراني عما رأيت قالا : نعم أما الرجل الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يحدث بالكذب فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به ذلك إلى يوم القيامة ، وأما الذي رايته يشدخ راسه فرجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار يفعل به إلى يوم القيامة ، وأما الذي رأيت في النقب فهم الزناة ، وأما الذي رأيت في النهر فآكل الربا " وذكر الحديث بطوله ، خرجه البخاري ، وروى هذا أبو خلدة عن أبي حازم عن سمرة وفي حديثه " قلت : فالذي يسبح في الدم قال : ذاك صاحب الربا ذاك طعامه في القبر إلى يوم القيامة قلت فالذي يشدخ رأسه ؟قال : ذاك رجل تعلم القرآن فنام حتى نسيه لا يقرأ منه شيئاً كلما رقد دقوا رأسه في القبر إلى يوم القيامة ولا يدعونه ينام .
ومنها تضييق القبر على الميت حتى تختلف فيه أضلاعه ، وقد سبق ذلك في أحاديث متعددة .
185- وخرج الخلال بإسناد ضعيف عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الكافر : " يضيق عليه قبره حتى يخرج دماغه من بين أظفاره ولحمه " .
يتبع
.